الرئيسية » » نوافذ مُهشّمة وقبر | محمد صالح عويد

نوافذ مُهشّمة وقبر | محمد صالح عويد

Written By Unknown on الأربعاء، 10 سبتمبر 2014 | 1:12 ص



نوافذ مُهشّمة وقبر :
محمد صالح عويد


1 *

من خلال الثياب تنتظِرُ جفافها 
على وجهِ أكوامِ الحطبِ ، تلك شجرةٌ يابسة من قريتي
والجثث المُعلّقة بملاقطٍ خشبيةٍ على حبلِ الغسيل : 
المُمتدّ بين السيف المغروس في نحري 
وبين صاري ،أخر مركبٍ مُهترئٍ 
امتطاهُ الهاربين 
عرفوا تفاصيل بصمتي 
ملامح وجهي
عدد العواصم التي طردتني من بلادي 
احتسبوا اللصوص الذين مروّا بنا 
أناء الليل والنهارِ 
وذهبوا صوب مغاراتهم الوثيرة 
تناولوا أوراقي الثبوتية المُغلّفة بكيسِ نايلون 
من فمِ الموجة الحمقاء 
واطعموها لموقدِ الشتاءِ القادمِ 
ومنحوا جثتي 
وثيقةَ إقامةٍ زاهية 
لم يقبلها الله حين اقتربت منهُ ، وقدمتها لهُ 
استغربني البوّاب ، والحاجبُ 
والعتالون تحتّ عرشهِ 
طردوني ....!؟
في الشارع الأول ، وراءَ الأسوار 
تناولت أول حجرٍ ورجمتُ بهِ 
زجاجَ نافذتهُ 
كانَ يبتسِمُ خلفها !!!
أنا من خان نفسهِ .....


2 *

لم يتسنى لي أن أصرخ بوجهِ الريح 
لكنها سرقت نبرةَ صوتي ،ولجمت حنجرتي 
لم يسمحوا لي بتقديمِ اعتذارٍ خطّي عن بؤسي 
لكنهم سرقواا رغيفَ طفلي الرابع 
لهذا لم يلّدْ
بقي ميتاً في صُلبي!
ورحلت أمهُ قبلَ بلوغِ عامها الأول بعد الطوفان ...
لم أهمس لأنثى العقرب بأنني عدوها الأول 
لكنها فهِمَت 
تحمل أفراخها على ظهرها أينما ذهبت 
رمتهُم بوجهي حين هبطت من مركبي الأخير 
فقرضوا القاع ...
غرقتُ قبل احتساءِ السُمِّ 
ليلةَ محاكمة الأولياء الصالحين 
في الصباح :
جمعوا شظاياي وكفنوها بالضوءِ 
ورموني كموشورٍٍ زَلِق 
في الموجةِ الراحلة صوبَ 
الله 
كان يبتسِمُ خلف زجاجَ نافذتهِ ...
وحدي من خانك يا وطني 
لم أخبر يوماً أحداً 
أنّي سوري 
لوحدهم كانوا يعرفون .

3 *

كلما امتطينا فرساً شموسَ ، جامِحةً 
نظروا إلينا بخُبثٍ ، يُخرجون من جيوبِهم غيوماً 
تُبرِقُ ، ترعد ،تُمطِرُ 
على جمرنا 
يغرق في نهرِ أسود لهُ رائحةَ 
داحس والغبراء 
وقُريش تتربصُ بعينٍ واحدةٍ 
اثرَ النبي
ثم تسرقُ الدروب من تحتِ أقدامنا 
تتركُ لنا ضفةً واحدة 
بلا نهرٍ 
بلا ماءٍ 
بلا مركب 
سوى شقوقَ العطشِ في ضحلِ 
اليُتمِ 
وحدهم من دفعوكَ في بئرِ الغياب 
وأنا الأبله : 
صدقتهم ورحتُ أهيلُ عليكَ التُراب 
يا وطني ...!!!

4 *
بيت مال المسلمين في إمرةِ 
المخصيين 
يحتضنونَ الدينار ، يضاجعونهُ في مقاهي الرصيف 
فيحبلُ ، يلِدُ كبغلةٍ 
خرجين من رصاصات تقتلني 
ثم تبكي علي الدروب المُعتِمة، تنتظرُ النور 
وينكحُ جثتي ، الفقهاء 
وفي طقوسِ الإعترافِ 
رأيتُ راهباً يعقدُ صفقتهِ الأخيرة خلف ستارةِ سميكة 
يبيعوني لقافلةٍ من لصوصِ طريق الحرير 
يأخذوني كتعويذةٍ 
تُبعِدُ عنهم شبحَ 
اللصوص !!!
بقي وطني يعجُّ بقطاعِ الطُرقِ 
بلا تعويذة ....

5 *
إنهم يحفرون لي القبر الأخير على أرضي 
بلا شاهدة
في مقبرةِ الغرباء 
لم يبقَ لي أمٌ تبكيني 
ولا خالةً تُهيّجُ البواكيا 
أبكي نفسي 
داخل قبري .....



التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.